أفكار وآراء

ترجمات .. تحالف يقلق الغرب !

08 يناير 2017
08 يناير 2017

جنكيز تشاندر -

ترجمة قاسم مكي -

نيويورك تايمز -

حين اغتال شرطي تركي سفير روسيا لدى تركيا أندريا كارلوف يوم الاثنين 19 ديسمبر الماضي ، بدا لوهلة وكأن العالم بأسره يهتز. لقد وقعت حادثة القتل فيما يشهد العالم حالة من البلبلة وذكّرت بعضَ المراقبين ببداية الحرب العالمية الأولى.

( في 28 يونيو 1914في سيراييفو، اغتيل الأرشيدوق فرانز فيردنان، ولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية، وزوجته صوفي على يد شاب قومي صربي يدعى غافريلو برينسيب. وهي الحادثة التي أطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى التي شاركت فيها البلدان كافة بداية بصربيا وحليفتها روسيا وحليفتيها فرنسا وبريطانيا من جهة والنمسا - المجر وألمانيا من جهة أخرى- المترجم.) وبالرغم من العلاقات المهتزة بين روسيا وتركيا في الأعوام الأخيرة، من المستبعد في الحقيقة أن يقود الاغتيال إلى المزيد من التوتر بين البلدين. بل ربما سيقرِّب بينهما أكثر من ذي قبل، مع إدراك موسكو أنها بإزاء فرصة مثالية لجذب تركيا الضعيفة وغير المستقرة إلى الدوران في فلك روسيا.

إن اغتيال السفير كارلوف ليس أول اختبار للعلاقة التركية الروسية. فالحرب في سوريا، حيث تساند روسيا حكومة الرئيس بشار الأسد وتركيا الجماعات المتمردة، هددت أيضا بدفع هاتين القوتين التاريخيتين إلى المواجهة فيما بينهما. ففي نوفمبر 2015 أسقطت القوات الجوية التركية طائرة روسية بالقرب من الحدود السورية. وحسبما يُعتقد، كانت تلك أول مرة يطلق فيها عضو في حلف الناتو النار على طائرة روسية خلال 50 عاما.

وعلى مدار أسابيع بعد ذلك، اشتبك البلدان في حرب كلامية. ولكن تلك الحرب رغم ذلك لم تتصاعد أبدا. ففي يونيو، اعتذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين عن الحادثة. وكوفئ أردوجان في الشهر التالي على ذلك حين كان بوتين ( على الأقل حسب رواية كلا الحكومتين) أولَ رئيس دولة يقف إلى جانبه بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة. ومنذ ذلك الوقت تحسنت العلاقات بين البلدين كثيرا. ولكن من ناحية أخرى شهد استقرار تركيا المزيد من الاهتزاز. لقد كشف اغتيال السفير الروسي في قلب عاصمة تركيا إلى أي مدى تتعقد الأمور هناك.

وكان أردوغان قد بدأ بعد الانقلاب تطهيرا واسع النطاق لمؤسسات الدولة. وتم فصل أو سجن الآلاف من الضباط المخضرمين في الشرطة والاستخبارات. ووفقا لبعض التقارير، وضع وراء القضبان ما يقرب من نصف جنرالات الجيش. وخرجت القوات الجوية إلى حد كبير من الخدمة الفعلية. وفي الأثناء تخوض تركيا حربا لا يمكن كسبها على ثلاث جبهات في سوريا. فهي تساند وكلاءها المتمردين في معركتهم ضد حكومة الأسد من جهة وتشارك في العمليات ضد تنظيم داعش من جهة ثانية ، وتحاول من جهة ثالثة (وهو الأهم بالنسبة للحكومة التركية) وضع حد لمكاسب الجماعات الكردية. وبالنظر إلى كل هذه القيود، ستجد روسيا أن تركيا يسهل الضغط عليها. فروسيا تنوي فرض الاعتراف بها بصفتها صاحبة النفوذ الرئيسية في سوريا. وهي ماضية في سبيلها تماما إلى بلوغ هذه المكانة بعد أن ساعدت لتوِّها حكومة الأسد في تحقيق نصر كبير في حلب . ولكن روسيا ستكون بحاجة إلى إذعان تركيا من أجل تمتين نفوذها في سوريا. وثمة مؤشرات بأن تركيا تقف إلى جانب روسيا.

لقد أشار قاتل كارلوف إلى أن قصف روسيا لمدينة حلب هو السبب الذي دفعه إلى ارتكاب فعلته. وقيل أن جيش الفتح، الجماعة المتطرفة السورية، ادعى مسؤوليته عن الاغتيال. ولكن حكومة أردوغان أسرعت إلى استبعاد أية صلة لموضوع سوريا بالحادثة. وبدلا عن ذلك ألقت بالمسؤولية على فتح الله جولن، رجل الدين المقيم في بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية والمتهم بتدبير المحاولة الانقلابية في يوليو الماضي ضد أردوغان.

وفي الرواية التركية الرسمية ينطوي اتهام غولن بالإرهاب، كما جرت العادة، على التلميح بأن الولايات المتحدة هي من يُوجَّه إليها اللوم في الواقع.

لقد دخلت الحكومة التركية والولايات المتحدة في صدام مؤخرا حول الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا وأيضا حول طلب تركيا تسليمها جولن. كما أسرعت الحكومة الروسية، على نحو مماثل، للتقليل من أهمية التوترات مع تركيا في أعقاب حادثة اغتيال سفيرها ووعدت بالعمل مع تركيا في التحريات المتعلقة بالقاتل والتعاون في محاربة الإرهاب. فهي تعلم أنها ليست بحاجة إلى استثارة عداء تركيا الآن حين يكون في الإمكان مداهنتها بدلا عن ذلك.

وفي اليوم الذي أعقب مقتل كارلوف استضافت موسكو اجتماع قمة مع تركيا وإيران لمناقشة مستقبل سوريا. ويلزم أن يزعج هذا الوضع الولايات المتحدة وحلف الناتو. فالهدف النهائي للرئيس بوتين ليس فقط بسط الهيمنة على سوريا، وهو ما يفعله في الوقت الحاضر، ولكن أيضا إحداث تصدعات في تحالفات الغرب. إنه لمدعاة إلى الارتياح أن اغتيال كارلوف لن يقود كما خشي أناس عديدون إلى نزاع بين روسيا وتركيا. ولكن فكرة أن حكومة أردوغان الضعيفة تجد نفسها على استعداد للإذعان للكرملين بدلا عن الحفاظ على تحالفاتها مع الولايات المتحدة والناتو تثير القلق أيضا.

• الكاتب عالم زائر بمعهد الدراسات التركية في جامعة ستوكهولم ومؤلف كتاب « قطار الرافدين السريع - رحلة في التاريخ.»